أعلنت مبادرة "القراءة نور وبصيرة" الفنان التشكيلي العُماني محمد نظام فائزاً جديداً بجائزة الإنجاز الثقافي البارز في عُمان في دورتها الثامنة لعام 2016. الجدير بالذكر أن مبادرة “القراءة نور وبصيرة” مبادرة إجتماعية مستقلة غير ربحية معنية بنشر الثقافة والمعرفة في المجتمع. أما جائزة الإنجاز الثقافي البارز فهي جائزة عينية رمزية، غير مالية، ولا رسمية دأبت المبادرة على منحها تقديراً لأصحاب المنجزات الثقافية العمانية البارزة في مختلف الأصعدة، تمنح للشخصيات والجهات والمبادرات حسب تجاربها الإبداعية المتنوعة.
ارتأت لجنة تحكيم جائزة الإنجاز الثقافي المؤلفة، هذا العام، من كل من الشاعر سماء عيسى (مؤسس الجائزة )، والشاعرين إبراهيم سعيد، وخميس قلم “أن تلتفت بالجائزة هذا العام نحو جانبٍ ثقافي لامع لم يسبق لها طرقه في سلسلة الفائزين بجوائزها من قبل، وهو جانب جذري عميق الأثر في الحقل الثقافي المعاصر، العماني والعربي والعالمي، ولذلك رأت اللجنة العناية بهذا الجانب المهم ولفتاً لانتباه الجمهور العام إليه، أن تعلن الفائز بهذه الدورة من بين أقطابه ومبدعيه، وهو الفن التشكيلي في عُمان”.
وأضافت اللجنة في بيانها: ” لقد آمن فنانون عمانيون كثيرون بفنهم وقاوموا عبر أدواتهم البسيطة كل التحديات والصعاب الحقيقية، كي يقيموا أود فن تشكيلي في بلادنا، عبر عقود طويلة من الجهد والعمل والتثقيف الذاتي والحب، فأسسوا لأنفسهم وللفن التشكيلي في عمان سمعة طيبة ومحترمة، وفي أحيان كثيرة كان ذلك بصفة فردية وخارج نطاق المؤسسات التي أنشئت لرعايتهم، ولم يكن الاختيار سهلاً من بين كل تلك الطاقات المبدعة التي ما زالت تشتغل وتعمل في هذا الحقل المتسامي والفن البصري، لكن اللجنة حاولت جهدها في تحري أكبر قدر من الإجماع على تجربة تشكيلة وفنية واحدة لتتويج فنانها من بين رموز الفن التشكيلي العمانيين.”
أما اختيارها للتشكيلي محمد نظام جاء لأنه: ” فنان تعددت مشاركاته وتجاوزت كل الأطر الجغرافية، بشخصية أعماله الفنية الفريدة ولوحاته المميزة بخروجها الأساسي على الإطار المغلق كفضاء للعمل، والعناية الدقيقة بالتفاصيل الشكلية والتناسب اللوني في أعماله، والاشتغال على جذور الشكل البصري وتخليقه، وتوسيع الخطوط الطبيعية للأشكال لتأخذ مداها الغرائبي المدهش للعين الرائية، مع الاهتمام بأثر الانشداه البصري والمفاجأة وعدم الاستسلام السهل للمتلقي قبل تحفيزه و إثارة كوامن الرؤية والتمعن والنظر عبر الأساليب والفنيات الدقيقة الهادئة والصبورة في الوصول إلى المتلقي.”
كما أولت اللجنة اهتمامها لتفرد تجربة نظام وانغماسه “ في مشروعه الخاص في الفن البريدي، والذي جعل له بفنهِ صبغةً عالمية أيقونية، فشارك ولا زال في معارض الفن البريدي العالمية المتخصصة، حيث نبع شغفه ذلك أساساً من عمله الطويل في تصميم الطوابع البريدية العمانية، ثم مواصلته نفس المشروع الفني دون توقف رغم تقاعده، فقام بتحويل الأغلفة البريدية والطوابع إلى أعمال فنية، ورغم الإرغامات الرسمية لهذا العمل لكن محمد نظام استطاع أن يأخذ شعلة الفن البريدي والطوابع البريدية وينحو بها منحاً فنياً، نحو خطاب عالمي يجمع أيقونات الشعوب والإنسان على الأغلفة البريدية، وهو ما زال إلى يومنا هذا مهموماً ومخلصاً لهذا الحقل بفنه وموهبته، ما جعله يتحول إلى فن أيقوني بالرسم على أغلفة الرسائل، بالأيقونات الشائعة، العالمية والمحلية، مرتكزاً على موضوعة الاتصال كثيمة أساسية، ورئيسية، ثم الانشغال لتحويل غلاف الرسالة لوسيلة تعبير طائرة، لوحةً متفلتةً من قيود صالات العرض، وسجونها، حرة تسافر في صناديق البريد، وتنثر ورق الفن في طريقها.
إن اللجنة تحيي بمنحها هذه الجائزة روح الفنان الأصيلة والتي عكست من حولها نور الفن نفسه وضياءَه الصادق، بتعاطيه الواعي المبكر إلى إشكاليات التراث والبيئة والمحلية، واللوحة الفنية كما قال: (اللوحة صدر الأم أو خارطة الوطن) عبر التركيز على لغة اللوحة كرسالة كما عبر عن ذلك.
كما عرّجت اللجنة على تنوّع تجربة التشكيلي محمد نظام وانعكاسات روح الفن و عشقه “لتصب في أجيال وأجيال من الفنانين والكتاب العمانيين المعاصرين الذين شارك -نظام- بكل طيبة خاطر عدداً كبيراً منهم أعماله وتزينت كتبهم بلوحاته، كما وشارك بفنه في سينوغرافيا تصميم المناظر المسرحية والديكورات في تجربته في مسرح الفليج، فأثر وأثرى وزيّن بفنه قطاعات من الحياة العامة وأثر حتى في الناس العاديين الذين يتعاطون مع أعماله دون أن يعرفوه والذين مسهم هذا الفنان بسحره فجعلهم يقدرون الفن، ويدركون مهمة الفنان، وكان ذلك من أثره الإجتماعي الشخصي، ناهيك بمشاركاته الدائمة واهتمامه بالقضايا المصيرية للإنسان.”
جرت العادة أن يقام الاحتفال بتسليم الجائزة للمحتفى به في وقت لاحق، ويتم الإعداد في أثنائها لكتاب تصدره المبادرة يضم حواراً مطولاً مع الفائز وشهادات لنقاد وكتاب وفنانين عن الفائز وعن تجربته الإبداعية والإنسانية. يشار الى أن جائزة الإنجاز الثقافي البارز في عُمان قد تأسست عام 2009 ، ومن بين الفائزين بها في السنوات الماضية السينمائي عبدالله حبيب، والروائي أحمد الزبيدي والمحامي يعقوب الحارثي، وموقع "أكثر من حياة" المتخصص في الحث على القراءة، والشاعر محمد الحارثي، والقاص محمد عيد العريمي.